هيسلسلةمدوناتمقدّمةمنقبلالدكتورةإيلينافيديانقاسمية،باحثةرئيسيةفيمستضيفواللاجئينكليةلندنالجامعية

اليوم – وبعد عام من إطلاق المشروع البحثي “مضيفواللاجئين” رسمياً، والمُموّل من قبل مجلس بحوث الفنون والعلوم الإنسانية، ومجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية في المملكة المتحدة (AHRC-ESRC)- نقدم هذه السلسلة الجديدة من المدوّنة التي تهدف إلى تقديم رؤى نقدية وإبداعية في النواحي السياسية والأخلاقية والشعرية والجمالية لتمثيلات النزوح

اقرأ هذه المدوّنة هنا

تفتيت الروايات الإنسانية؟

أحد أهداف مشروعنا كان نقضالرواياتالإنسانيةالسائدة التي كانت تمثّل اللاجئين على نحوٍ تقليديّ وبالتالي تصوغ صورتهم  كأشخاص ضحايا مُعذّبين، أو متلقين سلبيين للمساعدات و/ أو كلاجئين مثاليين وحيدين جديرين فعلياً بالتعاطف والمساعدة والحماية الدولية. وبنقض هذه الفكرة وغيرها من الروايات المترسّخة والاستراتيجيات التمثيلية، نحن نهدف في نهاية المطاف إلى توثيق وتتبع ودراسة طرق بديلة للرؤية، والمعرفة، والشعور، والاستماع إلى، والكتابة، والقراءة، والرسم، والتصور، والاستجابة للنزوح وذلك بطريقة مختلفة

إن الروايات الإنسانية السائدة عن اللاجئ الضحية والبائس، ومؤخراً ما يمكننا أن نسميه “اللاجئ المتميز” (أيّ،  السبّاحالأولمبي الذي تغلب على مواقف بطولية، ورائدالأعمالالمُفرطالنجاح، والعبقري الذي غيّر العالم)، غالباً ما كانت تبشّر بأنها تقدم تصحيحاًهاماًللتمثيلاتالسياسيةووسائلالإعلام التي تصف اللاجئين بأنهم “موجات” و “مجموعات من العوام” تهدد الأمن الفردي والشعبي والوطني والدولي

إن “إضفاء الطابع الإنساني” على اللاجئين من خلال التركيز على “الوجه الإنساني”؛ ورواية قصص اللاجئين والاستماع إلى “التجارب التي عاشها اللاجئون” الناجون من الرحلات المروّعة ومختلف أشكال العنف، كلها مكوّنات هامّة في مثل هذه المقاربة: ويُنظر إلى هذه المكوّنات على أنها وسائل أساسية لتعزيز الفهم العام والشفقة والتعاطف. وفي عصرٍ يتسم بالعداء تجاه اللاجئين، وبالحدود المغلقة وإجراءات الصدّ، فإن استنطاق أسس مثل هذا المقاربات وطبيعتها وآثارها، قد يبدو ذا نتائج عكسية – وغير أخلاقية حتى. إذ أن هاريلبوند طرح عند استنطاق كون “العمل الإنساني مع اللاجئين يمكن أن يكون إنسانياً” السؤال: هل يمكن أن يكون نقد مظاهر “النوايا الحسنة”، و”إضفاء الطابع الإنساني”، والتمثيلات “الإنسانية” تجاه الضحايا اللاجئين الجديرين، في نهاية المطاف مثل “إرسالفطيرةتفاحصنعتهاأمّإلىإدارةالمخدراتالاتحاديةلتحليلهاكيميائياًأوتسليمالكلبإلىالبحوثالطبية“؟

وكما أن هذا النقد قد يكون مدعاة قلقٍ بالنسبة للكثيرين، فإن تمثيلات اللاجئين “الجديرين” التي تتناسب مع الروايات الإنسانية (المستضعفين، والمعذّبين، والمعبّرينعنالامتنان، وأصحاب الموارد الملائمة، والمساهمين إيجابياً في الاقتصاد المحلي) هي طبعاً بحد ذاتها ليست تصويرات لاسياسيّة للواقع. وفي حين أنها قد تؤدي إلى التعاطف – بل حتى إلى أفعال تضامنية- فإنها برغم ذلك تشكّل حقائق ذات إشكالية وفي بعض الأحيان قاتلة، بما في ذلك من أجل اللاجئين ” الجديرين” الذين أُجبروا على التماشي مع الرواية، وكذلك من أجل اللاجئين والمهاجرين غير الجديرين الذين يُقارنون بهم صراحةً وضمنياً ويناقضونهم (كما أناقش هنا). وهذه التمثيلات تتخللها عمليات تراتبية للتضمين والاستبعاد، بما في ذلك على أساس الجنس والعمر والنشاط الجنسي والانتماء العرقي والدين: فقط بعض الوجوه والأجسام والهويات والأصوات والقصص والكلمات هي التي تحظى بالنظر إليها وسماعها والتعاطف معها، في حين تبقى الأخرى – أو تُجعل بنحوٍ مقصود- غير مرئية وعلى الهوامش

تمثيلات الحياة اليومية في النزوح

في ضوء المخاطر – والعُنف المعرفي – الكامنين في الروايات الإنسانية السائدة، تهدف سلسلة المدونة هذه إلى دراسة طرق مختلفة لتمثيل مجريات الحياةاليومية للنزوح والاستضافة، وإلى استكشاف نقديّ للآثار التي يمكن أن تترتب على هذه المقاربات المختلفة

من ناحية، يستلزم هذا دراسة طرق تمثيل الأدوار المتنوعة التي يؤديها كلٌ من اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة في الاستجابة لتحديات الحياة اليومية للنزوح. في الواقع، مع أننا نقرّ بالأدوار التي يؤديها الأفراد والأسر، فإننا نرغب بشكل خاص أن ندرس كيف يمكن أن نجعل المجتمعات المحلية ( كتلك التي يعمل معها مشروع “مستضيفو اللاجئين” في لبنان والأردن وتركيا) تشارك في التمثيل بطرق إنسانية ومحترمة، والتي لا تنزع عن أعضائها صفتهم الإنسانية ولا ترفعهم لدرجة مثالية. ولهذه الغاية، نحن مهتمون بشكل خاص بالنظر في مسألة كيف يساعدنا التركيز على “المساحات” التي يعيش فيها اللاجئون والمضيفون، والمجتمعات التي قد رحّبت بهم إليها (أو لم تكن ترحّب)، على أن نفهم بنحوٍ أفضل النزوح والاستضافة (أو على الأقل بنحوٍ مختلف)؟ وبالمقابل، ما هي التأثيرات التي تحدثها تمثيلات الأوساط العامة والأكاديمية والمنظمات غير الحكومية للمجتمعات المضيفة والنازحة، على السياسة والسياسات والممارسات على المستويات المحلية والوطنية والدولية؟

ومن ناحية أخرى، فإن الأمر يقتضي أن نتجاوز التركيز على أفعال وسلوك  وتجارب الأفراد المتضررين من النزاع، كي ندرس طرقاً مختلفة يمكن من خلالها لمختلف اللاجئين والمضيفين أنفسهم أن يتصوّروا ويمثلوا المواجهات التي تحدث خلال النزوح والاستضافة

كما كتب يوسف م. قاسمية، الكاتب المقيم لدى “مضيفو اللاجئين”، في جزءٍ سابق تحت عنوان المخيمهوالزمن

Who writes the camp and what is it that ought to be written in a time where the plurality of lives has traversed the place itself to become its own time. […] What am I saying right now, in this specific instant and under the false impression that the camp is mine? I say that it is the autobiography of the camp that is autobiographising the camp, suspended in time it is, while we deliberate the impossibility of narration in that context. In order to think of narration (not necessarily its narration), we follow it discreetly in the shape of ash.

وفي مقطوعتهالأخيرة التي نُشرت كجزء من هذه السلسلة، يقول

اللاجئونوحدهم  يستطيعونكتابةالأرشيفأبداً

نحن نهدف من خلال بحثنا إلى مَرْكزة الطرق التي يكون فيها الناس المتضررون من النزوح هم المحللونللأوضاعالخاصةبهم، ولتلك التي تخصّ الآخرين. إن ذلك يمكن إنجازه، على سبيل المثال، عبر استكشاف التقاطعات بين الرحلات التاريخية والمعاصرة للنزوح والاستضافة، بما في ذلك عبر توليفة من المقابلات، ومجموعات التركيز، وورش عمل الكتابة الإبداعية مع أعضاء المجتمعات المضيفة واللاجئين في لبنان والأردن وتركيا

وبدلاً من أن نطلب من الناس أن يسردوا تجاربهم المروّعة عن النزوح، من خلال الجمع بين الأشخاص الذين أصبحوا لاجئين الآن ولكنهم كانوا ذات مرة أعضاء في مجتمعات مضيفة، وبين المضيفين الذين سبق وأن تعرضوا للنزوح (بمافيذلكاللاجئينالذينيستضيفونلاجئين)، فإننا نعتزم أن ندرس كيف يقوم الأشخاص المتضررون من الصراع السوري بتصوّر المواجهة بين اللاجئين والمضيفين، وكيف يمثلون ذلك – ويؤدونه – إلى بعضهم البعض، ولنا ولأنفسهم

وعلى نحوٍ أكثر أهمية، ما ناقشناه هنا على مضيفو اللاجئين

إن الأساليب الإبداعية قد تتيح أشكالاً متنوعة من “الاستكشاف الذاتي” و “التعبير عن الذات”، ولكن يمكنها (وربما ينبغي) أيضاً أن توفر في الوقت نفسه مساحة للمشاركين ليتجاوزوا ويمانعوا الأشكال المختلفة للتوقعات المفروضة من الخارج. ويمكن أن يتضمن ذلك توفير مساحة لممانعة التوقعات المترسّخة ضمن النصوص المذكورة أعلاه – من اللاجئين المستضعفين/ العنيفين / الزائفين / الممتنين – وإنما أيضاً التوقع نفسه الذي سيؤديه المشاركون (أو ينبغي أن يؤدوه) بطريقة “غير مُتكلّفة” و “يكشفون” عن “ذاتهم الحقيقية” أثناء ورش العمل

وعلاوة على ذلك، كما ناقشت الباحثة المشاركة في “مضيفو اللاجئين” ليندسي ستونبريدج هنا

إن الشِعر ليس علاجاً، والكتابة تكون إبداعية فقط إلى الحد الذي يمكن قبوله بين الناس. يمكن اعتباره مضيفاً. سنكون بصدد تطوير واستكشاف نوع من الاستضافة الذي يكون فيه الشِعر والترجمة ممكنين دوماً في مضيفو اللاجئين

المساحاتوالأماكن،وليسالوجوه

بوصفها واحدة من المبادرات الأوائل في سلسلة المدوّنة الجديدة هذه، آيدان غريتريك وأنا انتهينا في تفكيرنا السابق حول أدوارالأداءوالكتابةالإبداعيةفيالبحوثالمتعلّقةباللاجئين، إلى أن

التفاعل المُجدي مع مختلف الروايات حول مواجهات اللاجئين في أماكن مختلفة يتطلب منا أن نستمر في التفكير بنحوٍ نقديّ بخصوص الأدوار المختلفة التي يمكن أن تؤديها الممارسات الإبداعية المتنوعة عند إجراء بحوث مع أشخاص متضررين من النزاع والنزوح

إن هذا التركيز أيضاً على المواجهات عبر الزمان والمساحة، وتركيزنا على “المجتمعات” (مع الإشارة إلى أن هذا هو في حد ذاته مفهوم إشكالي و “وحدة تحليل”)، والذي يوجّه النهج الأساسي لمشروعنا للتصوير الفوتوغرافي، هو ما أسميه نهجنا في “المساحاتوالأماكن،وليسالوجوه

إن قرارنا بعدم التقاط صور وجوه الأشخاص المتضررين من النزاع والنزوح أو نشرها، هو بالطبع بعيد عن التفرّد في سياق دراسات اللاجئين والدراسات الإنسانية (على سبيل المثال، انظر المبادئ التوجيهية لمنظمة أوكسفام بشأن التصويرفيالأزماتالإنسانية، وسياساتالصورة في مراجعةالهجرةالقسرية). إن سياسة “مضيفو اللاجئين” تحاكي جزئياً– وفق المعيار الحالي تقريباً – الإقرار بالمخاطر والمآزق الأخلاقية المترتبة على عرض وجوه اللاجئين في المنشورات وعلى المواقع الإلكترونية، أو التضمينات اللاإنسانية المترتبة على تخفيض دقة إظهار ملامح الوجه أو تشويشها بطريقة أخرى

ومع ذلك، وبعيداً عن هذه المآزق، فإن تحريضنا على مقاربة التمثيل من خلال نموذج “المساحات والأماكن وليس الوجوه” هو دعوة لإعادة التفكير في إمكانات وتقييدات أنماط التصوير المختلفة في سياقات النزوح والاستضافة (انظر مقالتيالجديدةللصور كمثال على هذه المقاربة). فهي تثير، من بين أمور أخرى، السؤال: هل غياب “الوجه الإنساني” في صورنا يجسد بالضرورة فشلاً في مقاومة نزع الصفة الإنسانية عن اللاجئين؟ أم أنه قد يقدّم طريقة بديلة مثمرة لكي “نرى” و “ونشعر” و “نفهم” و “نكونمع” المجتمعات المتأثرة بالنزوح: اللاجئون والمضيفون على حد سواء؟ ويحدونا الأمل في أن يُنظر إلى مقاربتنا (أو على الأقل تحريضنا) على أنه يقدّم نقطة دخول لهذه الأخيرة، مع أساليب أخرى للتمثيل – والاستضافة – والتي نقوم باستكشافها في هذا المنحى بما في ذلك المقاطعالصوتية ، والشعر، والرواياتالرسومية، والرسم، والكتابةالإبداعية

في هذا المقطع الصوتي، يمكن سماع أصوات سوريا في مخيم البدّاوي للاجئين في لبنان ليس من خلال الأصوات المسموعة بوضوح ولا من خلال لهجات اللاجئين من سوريا، ولكن من خلال الصوت المثير للذكريات لبائع القهوة السوري، الذي يمكنك الإحساس بوجوده في أزقة المخيم من صوت طقطقة فناجين قهوته. تستمرّ الحياة اليومية في المخيم، مع الهدير المدوّي لمولّد الكهرباء، وصوت الأطفال الذين يلعبون في شوارع المخيم المزدحمة

هذا المقطع الصوتي الثاني – الأطول – يعرض أصداء الحياة اليومية في مخيم البدّاوي، وبالذات من خلال الأصوات المتداخلة لأذان الصلاة وأحاديث الناس بعد الظهر على السطح

مخيم البداوي للاجئين، سجلته إ. فيديان-قاسميّة، نيسان / أبريل 2017

ما نود أن نستكشفه في نهاية المطاف، من خلال هذه السلسلة من المدونات هو: إلى أي مدى تستطيع هذه الأساليب والمقاربات وغيرها، أن تقدم رؤى نقدية وإبداعية في سيرورات النزوح والاستضافة والتي لا تستطيع أن تقدمها الروايات الإنسانية والصور التقليدية “ذات الطابع الإنساني”؟

إن سلسلة المدونات الجديدة لتمثيلات النزوح – والتي يمكنك قراءتها وعرضها والاستماع إليها هنا – ستبدأ اعتباراً من 1 سبتمبر/ أيلول 2017 حتى 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2017، إلا أنه سيستمر استكشاف هذه الأسئلة طوال مدة المشروع بكاملها خريف 2020

للمساهمة في مجموعتنا في الحديث  كجزء من سلسلة المدونة هذه وعلى نطاق أوسع، انظر هنا